الثقافة لصيق جوهري بالمجتمع، تتحدد و تتطور قيمها تبعا للظروف الطبيعية، وسائل الإنتاج، المحيط الثقافي المجاور الذي يؤثر و يتأثر به، مسار الوقائع التاريخية التي عاشها الشعب ...إلخ.
و عليه فإن الكلام عن ثقافة عربية تمتد من الخليج الفارسي إلى المحيط الأطلسي، لا يعدو أن يكون إلا اجترارا لمقطع تسلطي من الحلم الشمولي الذي ما فتئ يدغدغ غرائز الهيمنة لدى منظري حركة "البعث العربي".
إن العناصر المحددة للثقافة، المذكورة آنفا، قضت أن تتميز هذه المجتمعات المتجاورة بين الخليج و المحيط، بخصوصيات طاردة، تدفع ببعضها بعيدا عن بعض و السبب هو تحديدا ، الاختلاف العميق بينها في القيم الثقافية.
إن مفهوم "الأمة" مثلا هذا المكسب العريق للشعب الأمازيغي الذي فضلا عن ظهوره المبكر ( ماسينيسا، مؤسس الأمة النوميدية توفي سنة 149 ق.م.) و اشتداد صلابته بسبب المواجهات الكثيرة لشعبنا مع مختلف المستعمرين الوافدين، هذا المفهوم لم يتحقق عند قبائل الجزيرة العربية إلا في القرن السادس الميلادي بفضل الشحنة الوحدوية و التوحيدية للإسلام، هذه الملاحظة وحدها، ربما تكفى لرد المطامح البعثية الرامية إلى أن تجعل من إحدى أقدم أمم العالم ذيلا لأمة يتذكر معمروها تاريخ ظهورها الأول.
إن المحاولات الرامية إلى ربط الثقافة الأمازيغية بغيرها من الثقافات الشرقية أو الغربية، ميئوس من نجاحها لأن الثقافة الأمازيغية تقوم على معطيات موضوعية لا يمكن تجاوزها وهي حقائق: عرقية، تاريخية، اجتماعية، ثقافية و جغرافية لا نظير لها خارج الشمال الإفريقي، تماما مثل الثقافة العربية التي لا يمكنها أن تعني شيئا خارج حدود الجزيرة العربية.